لمحةٌ عن تاريخ الشحن البري
إنّ التاريخ البشريّ حافلٌ بالإنجازات والاختراعات التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، والتي دائمًا ما تقود البشريّة إلى الأمام، ولا ننسى أنّ شجاعة الإنسان وإقدامه على خوض المخاطر واكتشاف المجهول هي أهمّ الأسباب التي أوصلت البشريّة إلى ما هي عليه اليوم من تطورٍ وحضارةٍ.
بإمكاننا القول أن الناس بدأوا باكتشاف الطرق البريّة بغرض التجارة منذُ زمنٍ بعيدٍ لنقل بضائعهم من مكانٍ إلى مكان، وقد ساهم هذا الأمر بشكلٍ كبيرٍ بالاتصال الحضاريّ بين الشعوب وإنشاء علاقاتٍ بين الناس على الرغم من بُعد المسافات.
وهنا نتساءل عن تلك الرحلة الطويلة التي قطعها الشحن البرّي ما بين الاعتماد على الدّواب واستخدام العجلة، وحتى الوصول إلى طرق الشحن البرّي الحديثة التي نراها الآن متمثلةً بالشاحنات والقطارات. سنتعرف في هذا المقال على القليل من تاريخ الشحن البرّي وما مرّ به من تطوراتٍ مهمةٍ.
إن الأشكال الأولى للنقل البرّي كانت بالاعتماد على الخيول أو الثيران أو الجِمال أو حتى البشر من أجل حمل البضائع عبر مساراتٍ ترابيةٍ، وقد تمّ بناء الطرق المعبدة من قِبل العديد من الحضارات قديمًا، بما في ذلك حضارة بلاد ما بين النهرين (العراق حاليًا)، وقد قامت الإمبراطوريتان الفارسية والرومانية ببناء طرقٍ مرصوفةٍ بالحجارة للسماح للجيوش بالسفر بسرعةٍ، وتمّ استخدام هذه الطرق أيضًا بغرض التجارة.
مهتمّ بخدماتنا؟
أدخل بياناتك بالفورم أدناه وسنتواصل معك عبر واتساب.
كانت حركة البضائع تقتصر على ما يمكن تحميله على الحيوانات المُستأنسة الكبيرة حتى تم اختراع العجلة – حوالي 3000 ق.م من قِبل السومريين- والتي يمكن أن توصف بالاختراع البسيط والثوريّ بنفس الوقت، فقد غيّر هذا الاختراع طبيعة الوجود البشريّ، حيث أدى اختراع العجلة إلى بناء عرباتٍ يمكنها نقل بضائع أكثر مما هو ضروري من أجل المُسافر، بهذه الطريقة ، تمّ اتخاذ الخطوات الأولى نحو انتقال الحضارة الإنسانية من مجرّد الإكتفاء إلى المقايضة أو الاقتصاد القائم على التجارة، هنا تَحول نقل البضائع من الاعتماد على الدواب لحمل البضائع إلى العربات التي تجرها الدواب مما سمح بنقل حمولاتٍ أكبر بكثيرٍ.
ونتيجةً لذلك فقد زاد اهتمام الناس بتأسيس طرقٍ تُسهّل حركة القوافل التجاريةٍ التي كانت تنطلق من مختلف المناطق وتمرُّ بتضاريس متنوعةً من جبالٍ وصحارى وغيرها، ولعلّ أحد أشهر الطرق التاريخيّة القديمة هو طريق الحرير الذي وصل ما بين أقاصي الشرق والغرب، وسمح بازدهار المناطق التي كانت تقطعها القوافل التجارية.
من الجدير بالذكر أن الشحن البرّي كان يستغرق وقتًا طويلًا جدًّا يُقدّر بالأشهر، بالإضافة إلى المخاطر العديدة التي كانت تتعرض لها القوافل التجاريّة من سطوٍ وغاراتٍ وأحوالٍ جويّةٍ سيئةٍ، الأمر الذي كان يؤدي إلى ضياع البضائع وتلفها.
أدّى البحث والنشاط الابتكاري لاحقًا إلى ظهور طرق نقلٍ أكثر حداثةً حيث أفسحت الدراجة الطريق للدراجة النارية والمحرك البخاري (1698)، وصولًا إلى السيارة التي كان اكتشاف النفط عام 1882 عاملاً رئيسيًا في تطور صناعتها، الأمر الذي أدى إلى ولادة الحافلات وصناعة المحركات الكبيرة الموجودة اليوم.
شكّل التطور الصناعيّ قفزةً هائلةً للأمام في مسيرة البشرية حيث ترافق ازدياد الإنتاج مع تطورٍ في جميع مناحي الحياة ومنها بالتأكيد تطور طرق الشحن البرّي، حيث ظهرت السكك الحديدية التي بدأت بالاتساع و وصل المدن والمناطق الصناعية الهامة مع بعضها، وبالطبع زادت قدرة النقل بأضعافٍ حيث أصبحت القطارات تنقل الحمولات والبضائع من مكانٍ لآخر بسلاسةٍ كبيرةٍ مقارنةً بالشحن عن طريق الدواب والعربات، وقد تمّ إنشاء شبكاتٍ واسعةٍ من السكك الحديدية لتسيير القطارات ونقل الناس والبضائع في الكثير من مناطق العالم.
يجدر بنا الإشارة أيضًا إلى تطور السيارات من كونها عرباتٍ بسيطةٍ إلى الحصول على شاحناتٍ كبيرةٍ بإمكانها السفر بسرعةٍ وفعاليةٍ مع حمولةٍ كبيرةٍ.
سمح تطور المحركات بصنع شاحناتٍ أكثر متانةً وكفاءةً من ذي قبل، حيث أصبح الشحن البرّي في يومنا هذا يعتمد على الشاحنات بشكلٍ أساسيّ لتوصيل البضائع.
ولا ننسى أن الاهتمام بإنشاء الطرق وتعبيدها ساهم بشكلٍ حيويٍّ بازدهار الشحن البرّي والسماح للشاحنات بنقل البضائع بسرعةٍ وأمانٍ.
لقد خاض الشحن البرّيُ رحلةً طويلةً وشيّقةً حتى أصبح ما هو عليه اليوم، حيث تصلنا طرودنا بسرعةٍ ونحن في منازلنا، لا يسعنا في كلّ مرةٍ نستلم فيها شحنةً ما إلا أن نفكر بأسلافنا على طرق الشحن البرّي و بذلك التاريخ الطويل والحافل بالتغيرات والابتكارات التي غيرت حياتنا إلى الأفضل.
مهتمّ بخدماتنا؟
أدخل بياناتك بالفورم أدناه وسنتواصل معك عبر واتساب.